الثلاثاء ، ١٣ ذو القعدة ، ١٤٤٥   -   21 مايو 2024

الإمام الحسين ... في قلوبنا

 الإمام الحسين ... في قلوبنا

 

نعرف عن سيدنا الحسين بن علي -رضي الله عنه وأرضاه- أنه سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته من الدنيا، وأشبه الناس به، وكان فمه الطيب مهوى شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه وأخوه سيدا شباب أهل الجنة، وأنه ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، والذي حبه إيمان وبغضه نفاق، وأنه ابن البتول المطهرة سيدة نساء العالمين، والبضعة النبوية فاطمة الزهراء، وأنه من خير آل بيت نبينا الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا، وقال فيهم نبينا يوم غدير خم: "أذكركم الله في أهل بيتي".

فهو سيدنا وابن نبينا، نحبه ونتولاه، ونعتقد أن حبه -رضي الله عنه وعن أبيه- من أوثق عُرا الإيمان، وأعظم ما يتقرب به إلى الرحمن، مصداقًا لقول جده صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب". وأنه من أحبه فقد أحب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أبغضه فقد أبغض النبي صلى الله عليه وسلم، ونقول عنه وعن أبيه وجده ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب له: "وهل أنبت الشعر على رؤوسنا إلا الله ثم أنتم".

ونعتقد أنه قتل مظلومًا مبغيًّا عليه، فنبرأ إلى الله من كل فاجر شقي قاتله أو أعان على قتله أو رضي به، ونعتقد أن ما أصابه فمن كرامة الله له، وأنه رفعة لقدره، وإعلاء لمنـزلته رضي الله عنه، مصداقًا لقول جده صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل". فبلغه الله بهذا البلاء منازل الشهداء، وألحقه بالسابقين من أهل بيته الذين ابتلوا بأصناف البلاء في أول الدعوة النبوية فصبروا، وهكذا الإمام الحسين ابتلى بعد وصبر، فأتم الله عليه نعمته بالشهادة؛ لأن عند الله في دار كرامته من المنازل العلية ما لا ينالها إلا أهل البلاء والصبر فكان الإمام الحسين منهم.

ونعلم أن المسلمين لم يصابوا منذ استشهاد الحسين إلى اليوم بمصيبة أعظم منها، ونقول كلما ذكرنا مصيبتنا في الإمام أبي عبد الله ما أخبرت به السيدة الطاهرة فاطمة بنت الحسين -وكانت شهدت مصرع أبيها- عن أبيها الحسين عن جده صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجل يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت فيحدث لها استرجاعًا إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب". فنقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون" رجاء أن نكون ممن قال الله فيهم: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155- 157].

ومع ذلك فلا نتجاوز في حبنا له حدود ما حدَّه لنا جده صلى الله عليه وسلم الذي قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله".

فلا نعظمه بأنواع التعظيم التي لا تصرف إلا لله كالدعاء والاستغاثة، ولا نشرك بنبينا وآله كما أشركت النصارى بعيسى بن مريم وأمه حيث جعلوهما في مرتبة الألوهية. ولا نجعل له ولا لغيره من آل البيت الطيبين ما هو من خصائص المرسلين كالعصمة والتشريع، بل هم -رضوان الله عليهم- أصدق المبلغين عن رسول الله وأعظم المتبعين لهداه، ونعلم أنهم بشر من البشر، ولكنهم أفضلهم مكانة وأعلاهم قدرًا، ومع ذلك فلم يتكلوا على قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كانوا أعظم اتّباعًا لدينه وقيامًا بشريعته، كما قال الإمام زين العابدين وقرة عين الإسلام علي بن الحسين -رضي الله عنه وعن آبائه-: "إني لأرجو أن يعطي الله للمحسن منا أجرين، وأخاف أن يجعل على المسيء منا وزرين".
كما أننا لا نعصي جده صلى الله عليه وسلم، الذي نهانا عن النياحة وعن ضرب الخدود وشق الجيوب، وأخبرنا أن هذا من عمل أهل الجاهلية، وقد استشهد عمه حمزة ومُثِّل بجثمانه ولم يُصَب النبي صلى الله عليه وسلم بعده بمثل مصيبته فيه، ومع ذلك لم يجعل يوم استشهاده مناحة وحزنًا، ولم يفعل ذلك عليٌّ رضي الله عنه في يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفعل ذلك الحسن والحسين في يوم استشهاد أبيهما، وكذلك نحن لا نجعل يوم استشهاد الحسين يوم نياحة ولطم اقتداء بهذا الهدي النبوي الذي تتابع عليه عمل الإمام علي وابنيه الحسن والحسين ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].

وأما يوم عاشوراء فهو يوم أنجى الله فيه موسى وقومه فصامه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شكرًا لله فنحن نصومه اقتداءً بنبينا في ذلك، وهو يوم استشهد فيه ابن نبينا الحسين بن علي رضي الله عنه، فنحن نصبر ونحتسب عند الله مصابنا فيه، فاجتمع لنا أهل الإسلام في هذا اليوم مقام الشكر؛ لأنه اليوم الذي أنجى الله فيه موسى، ومقام الصبر لأنه اليوم الذي أصبنا فيه باستشهاد ابن نبينا. كما اجتمع في يوم السابع عشر من رمضان يوم الفرقان ببدر، واستشهاد أمير المؤمنين علي. وفي يوم الاثنين من ربيع الأول مولد النبي صلى الله عليه وسلم ويوم وفاته. فيكون المقام مقام شكر ومقام صبر، فنصوم شكرًا لله بنجاة نبي الله موسى اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحتسب عند الله ابن نبينا ونسترجع لما أصابنا فيه ونقول كما قال أولو البشرى من الصابرين: "إنا لله وإنا إليه راجعون".
وفي الختام فإني أرى في سؤالك بحثًا عن الحقِّ وتتبُّعًا له فاعتبر -وَفَّقَك الله- بالإمام العبقري علي بن أبي طالب الذي كان في سنِّ الفتوَّة واليفاع، ومع ذلك تخلَّى عمَّا كان عليه أهل الجاهليَّة، واتَّبع هدى الله ونوره المنـزَّل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم مع قلَّة الأتباع، وضعف أهل الحق، وقلَّة الناصر والمعين، وكانت فتوَّته وشبابه -بل حياته كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده- آيةً في الثبات على الحقِّ والدفاع عنه.

واعلم -وفقك الله- أنَّ العمر أقصر من أن يضيع في الحيرة والتردُّد، فليبحث كلٌّ منَّا عن الحقِّ جهده، ويستغيث بالله ويدعوه ويلح عليه أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وأن يدله على طريق مرضاته، وأن يسلك به صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.

ولنعلم جميعًا أنه ما لم تدركنا رحمة من الله يهدي بها قلوبنا، فإنا سنظل في حيرة وضلال {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه} [الأنعام: 88].

اللهم إنا نسألك بحبنا لنبيك صلى الله عليه وسلم وآله وذريته أن تسلك بنا طريقهم، وأن تحشرنا في زمرتهم، وأن تجعلنا ممن اتبعهم بإحسان. 

كتبه: عبد الوهاب الطريري

نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة