الثلاثاء ، ١٣ ذو القعدة ، ١٤٤٥   -   21 مايو 2024

الوجه النبوي

غمرت أنوار وجه رسول الله ﷺ وجوه أصحابه فوصفوه لنا وصفاً عاماً كما وصفوه وصفاً مفصلاً، فدعوني وإياكم نعيش مع الوصف العام لمحيا وجه رسول الله ﷺ.

الوصف العام هو ذاك الانطباع المجمل الذي يشعر به من يرى وجه رسول الله ﷺ.

1- فأول ملحظ نجده في وصف الصحابة لرسول الله ﷺ هو الجمال والبهاء، يقول البراء: كان رسول الله ﷺ أحسن الناس وجهاً. كان حسن الوجه مليحاً.

ولما سئل جابر بن سمرة أكان وجه رسول الله ﷺ مثل السيف؟ قال: «لا بل مثل الشمس والقمر وكان مستديراً» .

والتشبيه بالشمس لإشراقه ووضائته كما قالت الربيع بنت معوذ وقيل لها: صفي لنا رسول الله ﷺ، قالت: «لو رأيته لقلت إن الشمس طالعة» ، وقال أبو هريرة: «ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله ﷺ، كأن الشمس تجري في وجهه» .

والتشبيه بالقمر لجماله وملاحته، يقول جابر بن سمرة رضي الله عنه: «نظرت إلى رسول الله ﷺ في ليلة قمراء وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إلى البدر وأنظر إلى وجه رسول الله ﷺ فلرسول الله ﷺ أجمل في عيني من القمر» .

وقوله: «كان مستديراً» أي فيه تدوير مع استطالة، فلم يكن في غاية التدوير بل كان أسيل الوجه فيه سهولة، وهي أحلى الملامح عند العرب ، قال يزيد الفارسي كان رسول الله ﷺ جميل دوائر الوجه .

2- وكان ﷺ أزهر اللون أبيض مشرباً بحمرة، ليس بأبيض أمهق فاقع البياض ولا أسمر ، وتزداد نصاعة وجهه إذا حفها سواد شعره، قال أبو الطفيل: «رأيت رسول الله ﷺ يوم فتح مكة فما أنسى شدة بياض وجهه مع شدة سواد شعره» .

ولما وصفه الصحابة لمن يسأل عنه قالوا: ذاك الأبيض المتكئ ، وقال أبو طالب:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

3- وكان في وجهه نضارة، تجعل من رآه يحسبه أصغر من عمره، حتى إذا رُأي مع من هم دونه في العمر رُأي بينهم شاباً، ولذلك عندما قدم المدينة وكان معه أبو بكر رضي الله عنه وصف الناس لحظة اللقاء الأول فقالوا: فظننا أن أبا بكر هو النبي، وذلك أن أبا بكر كان شيخاً قد شمط، وكان رسول الله ﷺ شاباً. مع أن أبا بكر كان أصغر من النبي ﷺ سناً.

4- ومع هذه النضارة في وجه النبي ﷺ وهذا الجمال كان عليه المهابة، والوقار، فمن رآه بداهة هابه ومن عرفه أحبه، ولذلك قال عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما حضرته الوفاة وكان قد صحب النبي ﷺ ثلاث سنين: والله لو سألتموني أن أصف لكم وجه رسول الله ﷺ ما استطعت أن أصفه لكم وذلك أني لم أكن أملأ عيني منه إجلالاً له. فمن مهابة النبي ﷺ وجلاله لم يكن الصحابة يُؤبِّدونه أبصارهم وإنما ينظرون إليه لمحاً وليس تحديقاً لجلاله ومهابته ﷺ.

5- ومن صفات الوجه النبوي أن وجهه كان شفافاً يشف عن أخلاقه بحيث إن الذي ينظر إلى النبي ﷺ يعرف ما جبله الله عليه من كريم الأخلاق وشريف الخصال، يقول عبد الله بن سلام رضي الله عنه: لما قدم النبي ﷺ المدينة انجفل الناس إليه، فكنت فيمن جاءه فلما رأيت وجهه واستبنته علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب. فكان الصدق يعرف في وجهه.

ولما حج النبي ﷺ حجة الوداع ووقف في عرفة كان الأعراب وأهل البلاد النائية الذين أتوا إلى عرفة يزدحمون يريدون أن يروا وجه رسول الله ﷺ، فإذا استنار لهم وجه رسول الله ﷺ قالوا: هذا الوجه المبارك. كانت البركة تُقْرأ في وجه رسول الله ﷺ ويشف عنها محياه.

ولم يكن وجهه جامد الملامح ولكن كان شفافاً يشف عن انفعالاته النفسية فإذا سر وفرح تطلق وجهه واستنار، حتى كأنه فلقة قمر، يقول كعب بن مالك يصف لقاءه بالنبي ﷺ بعد أن تاب الله عليه قال: فلما سلمت عليه قال وهو يبرق وجهه من السرور: «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك»، وكان رسول الله ﷺ إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه، ووصف جرير البجلي سرور النبي ﷺ بمواساة وفد المضريين المجهودين الذين وفدوا عليه وقد جُمِعَ أمامه لهم كومان من طعام وثياب لهم، قال: فرأيت وجه رسول الله يتهلل كأنه مُذْهَبَة، أي كأنه إناء فضة مطهم بالذهب.

وقالت عائشة: «دخل علي ﷺ مسروراً تبرق أسارير وجهه، فقال: ألم تري أن مجززاً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض» ، فطفح السرور على وجهه كضياء البرق.

فإذا نظرت إلى أسرة وجهه ** برقت كبرق العارض المتهلل

وذلك فرحاً بأن مجززاً أثبت نسب أسامة إلى أبيه مع اختلاف لونيهما.

وكان إذا كره شيئاً عرفت الكراهية في وجهه.

أما إذا غضب رسول الله ﷺ فإن وجهه يحمر يقول الصحابة رضوان الله عليهم في وصف لحظة الانفعال هذه: كأنما يُفقأ في وجهه حب الرمان، وحب الرمان أحمر فيحمر الوجه النبوي. وقال البراء يصف لحظة غضبه فاحمر وجهه كأنه الصِّرْف، أي كأنه الصبغ الأحمر.

فكان الوجه النبوي يشف عن الانفعالات، ويشف عن كريم الأخلاق، ويشف عن الجمال، وعن البهاء.

6- وكان لوجه النبي ﷺ لمحة خاصة لا يشاركه فيها أحد، ولذلك يقول من رأى رسول الله ﷺ: ما رأيت قبله ولا بعده مثله، قالت امرأة من همدان رأته يطوف فقيل لها: شبهيه، قالت: «كالقمر ليلة البدر لم أر قبله ولا بعده مثله» .

وأحسن منك لم تر قط عيني ** وأجمل منك لم تلد النساء

7- ومن أجمل العبارات في وصف الوجه النبوي ﷺ وصف أنس رضي الله عنه للنظرة الأخيرة إلى وجهه ﷺ يوم وفاته، قال: «كَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهُوَ قَائِمٌ ‌كَأَنَّ ‌وَجْهَهُ ‌وَرَقَةُ ‌مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ» ، فقوله: «كأن وجهه ورقة مصحف» عبارة عن الجمال البارع، وحسن البشرة، وصفاء الوجه، ولكن تعبير أنس بورقة المصحف يحمل معاني رائعة توحي بالجلال مع الجمال، وبالتعظيم مع الحب، فهو أجمل وصف سمعته للوجه النبوي، ولا أنسى وقعه على قلبي عندما سمعته أول مرة فشعرت بمثل القشعريرة على قلبي من الهيبة حتى إني أتذكر هذا الموقف اليوم، زمانه ومكانه، ونغمة القارئ وهو يترسل في قراءة الحديث، ولهفه والشوق العاصفة في نفسي لرؤية الوجه النبوي المقدس، بأبي وأمي ونفسي هو ﷺ.

 

خلاصات:

1. كان أجمل الناس وجهاً كأن وجهه فلقة قمر.

2. كان له مع الجمال جلال ومهابة، فلا تمتلئ الأعين من النظر إليه.

3. كان وجهه أزهر اللون، أبيض مشرباً بحمرة.

4. كان وجهه يشف عن أخلاقه، فليس وجهه وجه كذاب ولا مريب.

5. كان وجهه يشف عن انفعالاته، فإذا سُرَّ استنار وجهه وأشرق كأنه فلقة قمر، وإذا كرب تغير وجهه وتمعَّر، وإذا غضب احمر وجهه.

6. ما رؤي أحد قبله ولا بعده مثله.

من: (الحياة النبوية)

كتبه: عبد الوهاب الطريري

نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة