الثلاثاء ، ١٣ ذو القعدة ، ١٤٤٥   -   21 مايو 2024

استئناف الحياة

ومما تعلمته القدرة على استئناف الحياة، وعدم السقوط في بئر المشكلة، والانغماس فيها، وإنما مغادرتها واستئناف الحياة بعدها، والانطلاق إلى المستقبل وتجاوز العثرات والإعاقات، وفي السيرة النبوية وحياة أصحاب القضايا الكبرى والإنجازات الحقيقية، نماذج رائعة من ذلك.

ومن أمثلة ذلك حال النبي ﷺ وأصحابه بعد الهجرة، فإنك لا تجد في اهتماماتهم ولا أحاديثهم ذاك الحنين إلى الماضي وذكرياته، وإنما النظر إلى المستقبل ومنجزاته، وليس فيها تحسر على فائت ولكن إنجاز للحاضر وتطلع إلى القادم، ولما رجع ﷺ إلى مكة فاتحاً قيل له: أَيْنَ تَنْزِلُ في دَارِكَ بمَكَّةَ؟ فَقالَ: «وهلْ تَرَكَ لَنا عَقِيلٌ مِن رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟».. ونزل في الأبطح كما ينزل المسافر العابر، إن هذا يبين أن فترة مكة صفحة طويت وليس من شأنه البحث عن داره ولا مكانه ولكن إتمام مشروعه ورسالته.

وحرَّم على المهاجرين من مكة المكث فيها أكثر من ثلاثة أيام، وكأن في ذلك إغلاقاً لطريق العودة إلى الوراء، ولذا ساروا قُدُماً، وتفرقت قبورهم في الآفاق يحملون مشروعهم ورسالتهم.

إن طريق الحياة مهما توفرت فيه الإمكانات لا يخلو من عثرات وعوائق واخفاقات، فما لم يكن لدى الإنسان اللياقة لتجاوزها واستئناف الحياة بعدها، وإلا بقي عالقاً في شبكة المشكلة لا يخرج منها، ويبيع ما بقي من عمره على ما مضى منه، يجتر آلامه ويكرر شكاته، ويتحسر على ما فاته.

أما صاحب العزيمة على استئناف الحياة فلديه القدرة على تجاوز المرحلة، وتصحيح الوضع، وتجديد الأمل، وإغلاق مرحلة واستئناف أخرى، وهؤلاء هم أصحاب الأعمار المتجددة، والمشاريع المنتجة.

ولذا فإن استئناف الحياة ساعدني على تجاوز الإخفاقات السابقة، والذكريات القاسية، فلا تسكن ذاكرتي، ولا تشوش تفكيري، ففيما أقبلت عليه ما يشغلني عما تجاوزته، ووجدت شفائي وعافية نفسي من كل ذكرى مؤلمة في الفرح بالإنجاز، والانغماس في مشروع عمل أتصدى له أو أشارك فيه.

(من سماء الذاكرة)

كتبه: عبد الوهاب الطريري

نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة